دكتور ايمن هاشم يكتب مدني .. مدينة مبدعة

ايمن هاشم
لطالما كانت المدن على مرّ التاريخ أماكن حقيقية للإبداع، ومنصة محورية للثقافة وتحديد الهوية. والمدن الإبداعية ظاهرة تنتمي لكل عصر، ويزخر التاريخ بنماذج من المدن المبدعة التي كانت تُعنى بالثقافة والعلم والفنون، استقطبت ذوي العقول من الفنانين والفلاسفة والمفكرين وجذبت إليها أصحاب المواهب، كما كانت عليه أثينا في العصور القديمة، وفلورنسا مدينة الفنون في عصر النهضة. كما عُنيت مدنًا في الماضي بالصناعات الثفافية كصناعة السينما في هوليود، ونضيرها الهندي بوليود في بومباي، والموسيقى في ممفيس، والأزياء في باريس وميلانو. واشتهرت بعد ذلك تورنتو بصناعة الوسائط المتعددة، واوستِن ومانشستر بالموسيقى الحية، وهامبورج حيث الميديا وصناعة التسلية.
قبل عشرين عاما عاد الحديث عن المدن المبدعة، وضرورة إعادة تصوُّر المدن من حيث مقوّماتها الإبداعية عن طريق تأسيس «شبكة المدن المبدعة» التابعة لليونسكو، والتي انضمت إليها حتى اليوم 350 مدينة، تنتشر في أكثر من 100 دولة، تتخصص في سبعة مجالات: الحِرَف والفنون الشعبية، التصميم، السينما وصناعة الأفلام، فن الطهي، الأدب، الموسيقى، والفنون الرقمية. ومن المرجح أن يستمر هذا الرقم في الارتفاع، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانات الهائلة للإبداع كعامل استراتيجي للاقتصاد المثمر والتنمية المستدامة، وتحقيق جودة الحياة والأنسنة في هذه المدن.
تلتزم المدن الإبداعية من خلال انضمامها إلى الشبكة بتقاسم أفضل ممارساتها لتعزيز إنتاج الأنشطة والسلع والخدمات الثقافية المختلفة والترويج لها، وتنمية مراكز الإبداع والابتكار وتوسيع الفرص المتاحة للمبدعين والمهنيين في القطاع الثقافي، وتطوير الشراكات التي تدعم الإبداع والصناعات الثقافية. لا سيما إذا ما علمنا أن الصناعات الثقافية والإبداعية أصبحت من بين القطاعات الأسرع نموًا في العالم، إذ باتت -بحسب إحصاءات منظمة اليونسكو- تحقق عائدات سنوية تبلغ نحو 2250 مليار دولار، وتولِّد 30 مليون وظيفة، وتُسهِم بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ولدى السودان مدن إبداعية تُعدّ نماذج مثالية لمفهوم المدينة التي يتوفر فيها عددٌ من العوامل الجمالية والحضارية والثقافية التي تميزها وتجعلها استثنائية. كمدن غرب السودان في مجال الفنون الشعبية والصناعات والفنون التقليدية.. ويمكن إدراج مدن وسط السودان على قائمة «المدن المبدعة» في مجال الأدب و الموسيقى ، لتاريخها الريادي الطويل في المجالات الأدبية والثقافية والشعرية والفنية، ومدن شمال السودان في مجال التراث والاثار. وشرق السودان في مجال السياحة والترفيه.
ومدني أرض المحنة عروس السودان، ومدينة الجمال، وعاصمة السلام والتعايش،. قصصها وعراقتها لا تنتهي، بيوتها المثقلة بالأصالة، وشوارعها المتزينة بحب الناس ، وأزقتها مغمورة بالذكريات، وهواءها العليل المدثر بالغيم يبث الإبداع في الصدور.
لقد عملت كثير من المدن على ابتكار رمزًا لها؛ ليكون بمثابة العلامة التجارية التي تميزها، ويساعد على تحفيز الصورة الذهنية للمدينة. في حين تمتلك ودمدني رمزًا حافزًا موغلًا في التاريخ، لذلك فهي تتميز بأنها عاصمة الثقافة
ومدينة ودمدني، باعتبارها واحدة من المدن الثقافية والتاريخية الهامة في السودان، قد أنجبت العديد من الشخصيات الثقافية والفنية المبدعة التي تركت بصماتها في مجالات الأدب والفن والموسيقى والإعلام.
الشاعر علي المك ويُعد الشاعر علي المك من أبرز شعراء السودان في القرن العشرين، وقد وُلد في مدينة ودمدني. يعتبر من الشخصيات الأدبية التي تركت أثراً كبيراً في الشعر السوداني. وكان علي المك معروفًا بقدرته الفائقة على التعبير عن القضايا الوطنية والاجتماعية من خلال شعره، وشارك في الحياة السياسية والثقافية في السودان. ومن أشهر أعماله الشعرية: “رسائل إلى ابنتي” و”قلب معلق في السماء”.
الكاتب الطيب صالح الذي يُعتبر أحد أشهر الأدباء السودانيين في العصر الحديث، وُلد في قرية كرمكول بالقرب من مدينة ودمدني. رغم أن الطيب صالح ليس من مدينة ودمدني مباشرة، إلا أن له ارتباطًا ارتباطا قويًا بالمنطقة. وقد عمل الطيب صالح على تقديم الثقافة السودانية عبر رواياته الشهيرة مثل “موسم الهجرة إلى الشمال”، التي حازت على شهرة عالمية.
الموسيقار والمطرب محمد الأمين هو واحد من أشهر الفنانين في السودان، وهو من مدينة ودمدني. يعتبر من الأيقونات الموسيقية في البلاد وله تأثير كبير على الأغنية السودانية الحديثة اشتهر بصوته العذب وأسلوبه الفريد في الغناء، حيث قدم العديد من الأغاني التي عالجت القضايا الاجتماعية والوطنية. ويعتبر من المطربين الذين شكلوا جزءاً من ذاكرة الأغنية السودانية الكلاسيكية.
الممثل والفنان المسرحي عبد الله الطيب هو أحد أبرز الشخصيات في مجال المسرح والفن في السودان. وُلد في ودمدني وكان له تأثير كبير في تطوير المسرح السوداني. ساهم في عدة عروض مسرحية شهيرة وأصبح أحد الأسماء المعروفة في الساحة الفنية.
الفنانة التشكيلية فاطمة إبراهيم . فاطمة إبراهيم هي واحدة من أبرز الفنانات التشكيليات في السودان، وُلدت في ودمدني. تتميز أعمالها باستخدام الألوان والزخارف التي تعكس الثقافة السودانية التقليدية في الأسلوب الحديث. فاطمة إبراهيم تعد من الرواد في مجال الفن التشكيلي في السودان، وقد أبدعت في معارض عديدة داخل وخارج السودان.
الشاعر أحمد محمد صالح هو شاعر سوداني معروف وُلد في ودمدني. يتميز شعره بالتعبير عن القضايا الاجتماعية والوطنية بالإضافة إلى تأثره بالطبيعة السودانية في أشعاره. حصل على شهرة واسعة في الأوساط الأدبية والشعرية السودانية، وشارك في العديد من الفعاليات الأدبية داخل وخارج السودان.