فضاء الرأيكتاب اسكوب

نظرية الظروف الطارئة ، التاريخ والتأصيل.

دكتور /محمد حسن محجوب

تعتبر نظرية الظروف الطارئة من النظريات القانونية التى بدأت بالتبلور نسبيا بشكل واضح في أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، يمكن تتبع جذورها إلى مفاهيم قانونية وقيمية أقدم.

الجذور التاريخية:

وجدت بعض المفاهيم المشابهة لهذه النظرية في القانون الروماني القديم ، والتي كانت تسمح في حالات استثنائية بتخفيف الالتزامات إذا أصبحت مرهقة بشكل غير متوقع.

كما شكلت مبادئ العدالة والإنصاف التى لطالما كانت مبادئ العدالة والإنصاف حاضرة في الأنظمة القانونية فى العصور المختلفة، وكانت تمثل أساساً أخلاقياً لإيجاد حلول للحالات التي يختل فيها التوازن العقدي بشكل كبير بسبب أحداث غير متوقعة.

اما فى الفقه الإسلامي يرى بعض الفقهاء أن القرآن الكريم هو اول من تضمن مبادئ مشابهة في التعامل مع العقود عند حدوث ظروف استثنائية تجعل الوفاء بالالتزام مرهقاً، وذلك استناداً إلى مبادئ رفع الحرج والتيسير وضربوا لذلك مثلا فى القرآن الكريم فى قصة سيدنا يوسف مع اخوته عندما قال لهم ابوهم سيدنا يعقوب(لن ارسله معكم حتى تؤتوننى موثقا من الله لتاتننى به الا ان يحاط بكم فاعتبرها الفقهاء كاول تأصيل لنظرية الظروف الطارئة

رغم محاولات علماء القانون فى العصر الحديث الذهاب الى ان

فرنسا تعتبر هى المكان الأول الذى الذي ظهرت فيه نظرية الظروف الطارئة بشكل واضح في مجلس الدولة الفرنسي من خلال أحكامه في أوائل القرن العشرين، وذلك في سياق العقود الإدارية. وقد استند المجلس في أحكامه إلى فكرة ضرورة استمرار المرفق العام وتحقيق العدالة التعاقدية.

ثم انتقلت هذه النظرية تدريجياً إلى نطاق القانون المدني في العديد من الدول. فقد تبنت بعض التشريعات المدنية نصوصاً صريحة تنظم أحكام الظروف الطارئة، مثل حالات

التأثر بالحروب والأزمات: ساهمت الحروب العالمية والأزمات الاقتصادية في إبراز أهمية هذه النظرية والحاجة إليها لمعالجة الاختلالات الكبيرة التي تطرأ على العقود نتيجة لهذه الأحداث الاستثنائية.

اما الأساس القانوني والفلسفي لهذه النظرية

فهى تستند إلى عدة أسس قانونية وفلسفية، من أهمها:

لمبدأ حسن النية: حيث يفترض أن المتعاقدين قصدا تحقيق التوازن في العقد وقت إبرامه، وأن الظروف الطارئة الخارجة عن إرادتهما قد أخلت بهذا التوازن بشكل كبير.

مبدأ العدالة التعاقدية: يقتضي تحقيق العدل بين أطراف العقد وعدم إرهاق أحد الأطراف بالتزامات تفوق قدرته بشكل غير معقول نتيجة لظروف لم تكن متوقعة.

ضرورة استمرار العلاقات التعاقدية: تهدف النظرية في بعض الحالات إلى تعديل العقد بدلاً من فسخه، وذلك للحفاظ على استمرار العلاقات التعاقدية وتجنب الآثار السلبية للفسخ.

باختصار، نشأت نظرية الظروف الطارئة تأصيلا فى القرآن الكريم فى قصة سيدنا يوسف مع اخوته وتطورت استجابة لحاجة تطور الأنظمة القانونية إلى أدوات قانونية مرنة تتعامل مع الواقع لمعالجة الحالات الاستثنائية التي تؤدي إلى اختلال كبير في التوازن العقدي، وذلك بهدف تحقيق العدالة والحفاظ على استقرار المعاملات. وهى بهذا التاصيل القرءانى تكون قد سبقت انصار القانون الحديث الذين ادعوا ان فرنسا هى من أوائل المطبقين لهذه النظرية فى القرن العشرين لكنها انتشرت بعد ذلك إلى العديد من التشريعات المدنية الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى