دكتور محمد حسن محجوب… يكتب رسوم وزارة المالية للنيابة العامة ، ذبح للعدالة
الحق في الوصول إلى العدالة ومبدأ المساواة أمام القانون

. دكتور محمد حسن محجوب
فوجئنا مؤخرا بفرض وزارة المالية رسوما على كافة الدعاوى والإجراءات الجنائية الأخرى التى تتخذ بواسطة النيابة العامة. الامر الذى اثار الجدل بل السخط اوساط المجتمع القانونى والمجتمع عموما لانهم يعتقدون انها تشكل عبئا ثقيلا على كاهل هذا الشعب المثقل بالجراح
أولًا لابد لنا من ان نتفق على المبدأ العام وهو ان العدالة حق مستحق وليست سلعة تباع وتشتري
فالعدالة في أي نظام قانوني سليم تُعد حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان، مكفولًا بموجب الدستور والقوانين الوطنية والمعاهدات الدولية التي صادق عليها السودان. ولا يجوز بأي حال تحويل هذا الحق في الانابة فى التقاضي أو التبليغ عن الجرائم إلى خدمة مشروطة بالدفع، لأن في ذلك تمييزًا واضحًا ضد الفقراء وذوي الدخل المحدود، ومساسًا بمبدأ المساواة أمام القانون
فضلا عن المخالفة الدستورية لهذه الرسوم
لإن فرض رسوم على اى فتح البلاغات والإجراءات الجنائية يمثل مخالفة صريحة للدستور السوداني الانتقالي أو ما يقوم مقامه في أي مرحلة انتقالية مثل الوثائق الدستورية، وخاصة في المواد التي تنص على
الحق في الوصول إلى العدالة
ومبدأ المساواة أمام القانون
والحق في التقاضي
وبالالي، فإن أي منشور أو لائحة إدارية تفرض من وزارة المالية وتصدر عن النيابة العامة وتتضمن فرض رسوم على تحريك الإجراءات والدعاوى الجنائية، تُعد باطلة بقدر مخالفتها للقانون الأعلى (الدستور).
ثالثًا: مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية
كما انها تعد مخالفة لصريخ القانون مثل قانون الإجراءات الجنائية السوداني (لسنة 1991 وتعديلاته) الذى لا يتضمن أي نص يجيز فرض رسوم على المجني عليه أو المبلغ لفتح دعوى او اتخاذ إجراءات جنائية. بل على العكس، ينص القانون على أن النيابة العامة تحرك الدعوى الجنائية نيابة عن المجتمع والحق العام، ولا يجوز أن يُحمَّل صاحب البلاغ أعباء مالية مقابل ذلك، لأنه ليس خصمًا خاصًا بل ممثلًا للحق.
ان فرض رسوم على فتح البلاغات يمس بحيادية واستقلال النيابة العامة لانه يجعل النيابة العامة منحازة لفئة دون أخرى وهى فئة القادرين على الدفع ويميزهم على فئة الفقراء والضعفاء من ما يخل بمبدأ هام من مبادئ العدالة وهو مبدأ المساوة ، ويفقد النيابة أحد أهم عناصر تميزها مثل الحياد والاستقلال في تحريك الدعوى ومتابعتها، وهو ما يُفرغ نظام العدالة من مضمونه، ويُحوّل النيابة إلى جهة “تحصيل” بدلًا من كونها حامية للحقوق والضمانات بل يحول العدالة الى خدمة سلعية تباع وتشترى.
وفى اطار مسؤولية الدولة عن حماية الضحايا
وفقًا لمبادئ العدالة الجنائية، تتحمل الدولة كامل المسؤولية عن حماية الضحايا وضمان وصولهم للعدالة دون عوائق مالية أو إجرائية، لا سيما في الجرائم الخطيرة كجريمة القتل والاغتصاب والنهب، ولا يجوز التذرع بـ”الإصلاح المالي” لتبرير تحميل المواطن تكاليف المطالبة بحقه القانوني.
واتفق الرأي القانونى من كبار القضاة والمستشارين والمحامين وخبراء واساتذة القانون على ان منشور الرسوم هذا الصادر عن النيابة
يفتقر إلى السند التشريعى لانه لم يجاز من السلطة التشريعية المختصة بذلك
مما يمكن وصفه بانه يعد تجاوزًا للصلاحيات والسلطات
وربما تقوم جهات بالطعن فيه أمام المحكمة الدستورية أو القضاء الإداري، وفقًا للقانون.
نخلص إلى أن فرض رسوم على فتح الدعاوى الجنائية بواسطة النيابة العامة
غير دستوري
ومخالف للقانون الداخلي والمعاهدات الدولية
ويمس مبدأ المساواة والحق في العدالة
ويعرض الدولة للمساءلة القانونية والأخلاقية.
ويبدو ان النيابة العامة ووزارة المالية تجاوزتا الحقوق المرعية بالدستور والقانون بطريقة معظمها مما تتضمنه سلفا ميزانيةالنيابة من ادوات ومحروقات وصيانة..ومما يتم صرفه من خزينة وزارة المالية .. دون حاجة لاشراك المواطن المسكين المنهك باثقال وجراح الحرب فى الصرف علي رفاهيات وليس اساسيات . ومن غير المتصور ان توافق عليها وزارة المالية ..لذلك اقحمت النيابة نفسها فى معاداة المواطن المغلوب على امره..وتحميله ما لا يطيق
لذا فاننا نعلق الامل على الجهات المختصة وزارة المالية والنيابة العامة الاسراع
لإلغاء هذه الرسوم فورًا
وإعادة التأكيد على أن العدالة ليست امتيازًا مدفوعًا، وليست سلعة خدمية تسعر لتباع وتشترى بل هى حق لكل مواطن، دون تمييز. ولا اظن ذلك مستحيلًا فالرجوع الى الحق افضل من التمادى فى الباطل.