المدينة المنورة :إبراهيم أحمد يونس
(الادب الشعبي) في السودان هو مصدر إلهام ولعل حياة البادية ملهمة بطبيعتها وبإنسانها النبيل ولها تأثير كبير في تكوين الشخصية .. وثناء الناس عليها لم يكن عن فراغ بل عن مشاهد حقيقية لذلك يبدع شاعرها في النظم والوصف/ ولعل افضل من وصف الرسول صلي الله عليه وسلم بعد القران الكريم هم (أهل البادية) فعندما مر الرسول صلى الله عليه وسلم. بدار (ام معبد) ولم تدرك بأن الزائر هو سيد الخلق ولكنها وصفته وصفا دقيقا وصادقا لما راته …
لذلك كثير من شعراء البادية يجيدون الوصف وصف الإنسان والطبيعة ….وانا استهل حديثي بشاعر غيبه الموت منذ العام 1989م ولكنه حاضر في كل الأوقات … الشاعر عبدالله حمد (شوراني) .. كثرة الاسماء عن (ود شوراني) عند محبيه وكثرت الاسماء تدل علي عظمة المسمي دائما ..
وهو من فحول شعراء البطانة .. عرف باميراء شعراء البطانة .. وملك القافية .. حقا تميز في كتابة الشعر بالقافية والموسيقي .. موسيقى داخلية وظاهرة بجانب التزامه بالمفردة والترتيب.
وانا لا استطيع في هذه المساحة( الضيقة) الخوض في أشعار (ود شوراني) لكن اكتفي بنماذج فقط عن بعض رباعيات ودشوراني من بعض المسادير كتب (ود شوراني) المسادير لأغراض وموضوعات متنوعة لها شأن خاص وشأن عام فكل مسدار عبارة عن (معلقة) كاملة لذلك تبارى الشعراء في الثناء عليه ومدحه وتبجيله، نذكر علي سبيل المثال لا الحصر الشاعر الكبير (يوسف البنا) عندما تطرق له في مدح قبيلة (الكواهلة) قال ودشوراني وحده مدرسة وتعليم و غنا علي الهرع والهضليم . . و(الهضليم) هو ذكر النعام وسمى به ودشوراني (البعير) تيمنا بنشاطه وسرعته . ولم يتحدث ودالبنا عن فراغ عندما قال ودشوراني مدرسة وتعليم ومن حقائق الأمر تحدث عن هذا الشأن الباحث الكبير الطيب محمد الطيب في محطات عالمية كذلك يستدل باشعاره بعض علماء الفلك خاصة في مسدار (العين) بكسر العين وتشديد الياء وهي جمع (عينة)بكسر العين وتعني (الانواء) ولم يكن مسدارا مقفل فقط بل عبارة عن رحلة زمانية كونية وتصوير بديع كأنما هي أعظم رحلة في التاريخ وربط ( ود شوراني) وبكل براعة مابين فصول السنة (الإنواء) أو العامية العينه ومابين الاشواق والمشاعر المرهفة لديار المحبوبة رغم أنه لم يجلس في ظل أي مدرسة لكن قدرته تفوق من يحملون الشهادات العليا، اكتفي (ود شوراني) بحفظ بعض الأجزاء من القرآن الكريم مما ظهر جليا في تناول بعض المفردات العميقة في بعض إشعار، ويعد (ود شوراني) من أبرزابناء القبيلة وهو ابن شيخ القبيلة وآلت إليه بعد وفاة والده مشيخة ( المرغماب) من فخوز قبيلة (الكواهلة) . كان (ود شوراني) خلوق محب لأصدقائه وتبارى معهم في الأشعار ومن أبرزهم أصحاب المدرسة الرابعة امثال الشيخ احمد عوض الكريم ابوسن والشاعر الصادق ود أمنة والعمدة محمود كرار وهي المدرسة الاكثر إجادة للدوبيت علي مدي التاريخ والجيل الذهبي ..
في شعر ودشوراني نموذج واغرض مختلفة كما اسلفت آنفا نختار منها نماذج …في مسدار العين قال ودشوراني ………..
شال برق البطين وقعا هبايبو ورشو ….
وين النايرة يا خالتي مراية وشو ….
عاشقي العندو حقن الموية ضايق خشو .. مشتاق ليهو لي عليقو ورشو …. .
.هنا (ود شوراني) تحدث عن الأنواء( العينة) وهي عينة البطين من العين المعروفة وتكثر فيها الأتربة ويأتي رشاش المطر احيانا ومن المعروف يورد (ود شوراني) ذكر المحبوبة في جل مساديره وشبه(ود شوراني) عملية خش الماء اي تحريك الماء يمنة ويسرى وحركة الدوبان ولم ينزل الماء بحال محبوبته الواضحة لعبانة ولم يلتقي بها بهذة الحالة ولكن بعد كل هذا وذاك قال مشتاق ( ليهو لي عليقو ورشو) هذة براعة كبيرة في دقة الوصف …
وايضا من اجمل رباعيات ودشوراني في وصف المرأة…. بكل م تحمله من قيمة شكلا ومضمونا لعلي لا اجد اي شاعر علي مر الزمان جمع مابين وصف المحاسن الداخلية والخارجية كمثله …..
قال ….
العكر صفانا وعقلنا مبهدلو
تقديره وذكاهو وأسلوب خطابه الحلو …
.داخله ومارقة وضعت كل شي في محلو …
طيبه افوح وعوده اموح وديسة أتلو .
.لحظة الصفاء التي أدركها شاعرنا تستدعي الكثير لمخيلتنا من جمال هذة المرأة من حيث الطبع، الشكل، والمضمون، وصف نظافتها وقيامها بواجباتها وأناقتها وعطرها الفائح بالإضافة الي الشكل الخارجي الذي وصف فيه غزارة الشعر! ما هذا الجمال؟ هذه الأشياء الحسية والمعنوية تدل علي خيال يرتاد الثريا وشاعر من كوكب آخر …
كانت مقتطفات من سيرة امير شعراء البطانة بعد أن عاش في سهولها ووديانها عاشقا لها منذ ميلاده في العام 1923حتي وافتة المنية في العام 1989 له الرحمة والمغفرة والعتق من النار…
نختتم برباعية من رباعيات (ود شوراني) الخالدة
جاهل ظرفي لكني خابر ظرفو …
قلبي وقلبو مابين الحصل يحترفو …
ريدي انا ليهو لو درسو وعرفو
زي شيك البنوك في كل ظرفو اصرفو .. .
